الثلاثاء، 18 يونيو 2013

نظام الحكم في الإسلام

بسم الله الرحمن الرحيم
                                          (6)
* نظام الحكم في الإسلام :-
قال تعالى ( و أن أحكم بينهم بما أنزل الله و لا تتبع أهواءهم وإحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فإعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم و إن كثيرا من الناس لفاسقون * أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ) 50 سورة المائدة
          صدق الله العظيم
-         كتبت من قبل عدة مرات عن نظام الحكم في الإسلام ولكن يبدو أن ما كتبت لم تقرأه العيون و لم يصل للأسماع ولم تستوعبه الأفهام ، كتب العديد من المفكرين عن نظم الحكم في الإسلام سواء من المعاصرين أو القدامى إلا أن معظم ما كتب في هذا الشأن لم يصل إلى حقيقة واضحة لنظام الحكم في الإسلام ، ونجد رغم ما في هذه الكتابات من أباطيل و عدم إثبات للحجة وأن بعضها مما كتبت في عهود الحكم الملكي و تأثرت به إلا أننا نجد من يحتج بهذه الكتابات حتى عصرنا هذا لمجرد أن من قال بها هم فقهاء يعتبرهم البعض من كبار الفقهاء و أنهم لا يخطئون فنزههم البعض عن الخطأ.
-         وفي البداية سنوضح أنه هناك حديث نبوي شريف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدد أن من بعده تأتي خلافة راشدة تدوم حوالي ثلاثين عاما ثم يأتي من بعدها ملكا عضود وهذا يعني أن الرسول قد أشاد و أثنى على نظام الحكم خلال هذه الفترة وهي فترة الخلافة الراشدة ، لذلك كل ما كتب عن نظام الحكم الإسلامي خارج إطار الخلافة الراشدة فلا يمت لنظم الحكم الإسلامي بصله .
-         لذلك نجد من الأخطاء الشائعة أنهم خدعوك فقالوا أن الحكم الملكي الأموي والعباسي و العثماني والفاطمي و الأيوبي و غيرهم أن كلا منها خلافة إسلامية ! فكل من يقول بذلك فهو يخالف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم .
-         كذلك ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عرى الإسلام تنفصم بعد وفاته عروة عروة وقد بين لنا التاريخ أن أولى عرى الإسلام إنفصاما كان نظام الحكم وذلك على يد معاوية بن أبي سفيان رحمه الله حينما طالب بالبيعة لإبنه يزيد على غير رضى المسلمين وبحد السيف وكان يزيد هذا هو من قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما وهو سيد شهداء أهل الجنة .
-         ونوضح أن أمر الخلافة الراشدة الذي يوضح نظام الحكم الإسلامي الوحيد و الراشد قد قامت على أمرين أساسيين وهما ا لشورى والبيعة وقبلهم كان الترشح لهذا المنصب الرفيع فكانت في البداية ترشح عدة أسماء من كبار الصحابة ثم يجتمع كبار الصحابة و رؤساء القبائل لإختيار الخليفة ثم لا تتم له الخلافة إلا بعد الحصول على البيعة من كل الصحابة و مبعوثين يمثلوا الأمصار ممن إرتضاهم الناس و زعماء القبائل وهذا هو حكم الأغلبية .
-         وهذا الشكل السابق يشبه بشكل كبير نظام الترشيح و التصويت في نظم الحكم الحديثة والديمقراطية وحكم الأغلبية.
-         ثم بالنسبة لمحاسبة الحاكم ومراجعته وعدم السمع والطاعة له فيما يخالف ما أمر به الله نجد أن سيدنا أبوبكر الصديق رضي الله عنه قد أسس له حينما قال إذا أحسنت فأعينوني و إذا أسأت فقوموني ، وكذلك قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه وسؤاله للمسلمين ماذا تفعلون إذا ما إعوججت هكذا فرد عليه علي بن أبي طالب كرم الله وجهه نقومك بسيوفنا هكذا وأشار بيده فحمد عمر بن الخطاب رب العالمين على ما قاله سيدنا علي ،أما عن القصص التى تم رد الخلفاء الراشدين فيها إذا ما أخطأوا فكثيرة ومتعددة ولا مجال لذكرها الأن .
-         بالنسبة لحرية العقيدة فنجد أن عصر الخلفاء الراشدين كان شاهد على تحقيق هذه الحرية لغير المسلمين بل ومراعاة العدالة معهم والحفاظ على حقوقهم وحفظ حقوق الأقليات الدينية أما بالنسبة للعرقية فقد قضى عليها الإسلام حيث أكد أنه لا فرق بين عربي و أعجمي إلا بالتقوى والعمل الصالح ولكنها عادت لتظهر في عصور تالية نتيجة لعوامل الفساد .
-         كانت الخلافة الراشدة تحافظ على الحقوق و الحرمات وتحقيق العدالة بمعناها الشامل وليس مجرد حصرها في عدالة إجتماعية منقوصة ،والحفاظ على كرامة الناس و أدميتهم وقد ذكرت من قبل مقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهي متى إستعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا في قصة القصاص للمسيحي المصري من عمرو بن العاص رضي الله عنه و إبنه .
-         مارس الخلفاء الراشدين تداول السلطة على قيادة الجيوش وكانت الأفضلية للأكفأ وكذلك تم تداول السلطة على الأمصار ،وحتى بالنسبة للخلافة الراشدة حينما قال سيدنا عثمان رضي الله عنه أنه يحكم بتفويض من الله عارضه سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في هذا الفهم وهذا يعني أن هذا كان فهم غير متفق عليه و إنما كان خاص بسيدنا عثمان رضي الله عنه والذي بشره رسول الله بالشهادة وقد خالف هذا القول باقي الصحابة .
-         بالنسبة للحياة الحزبية نجد القرآن الكريم قد ذكر التحزب حوالي ثلاث مرات في القرآن الكريم فذكر القرآن حزب الله و أنهم هم الغالبون وهم من ينحازون لحق الله و ذكر حزب الشيطان وهم أهل الضلال و الفتن و كذلك ذكر مرة ثالثة التحزب بأن كل حزب يذهب بما لديهم فرحين وهذا إشارة للتعصب و الإستقطاب الذي يطغى على رؤية و إتباع الحق فيعمي الأبصار عن الطريق المستقيم و يتضح لنا من ذلك أن القرآن لم ينكر التحزب ولكنه أنكر الممارسات السيئة للتحزب والتي تؤدي للضلال و التعصب لغير الحق .
-         أما إجتماع الناس لصلاة الجمعة فكان للصلاة ومن بعدها لمناقشة أمور الرعية والبحث في مشاكلهم وكان هذا بمثابة برلمان إسلامي ونذكر المرأة التي راجعت سيدنا عمر بن الخطاب في أمر المهور وكيف ردته عن ما إنتوى بحجة قوية من القرآن الكريم .

أما من إدعوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقام دولة دينية وليست دولة سياسية فهذا من كلام المنافقين الذين يريدوا عزل الدين الإسلامي في المنزل و حجبه عن كافة شئون الحكم والدولة .
ولكي نوضح ذلك فيجب أن نعرف أن الدولة في المفهوم الحديث تقوم على عقد إجتماعي بين الحاكم والمحكومين و أن يرتضي هؤلاء المحكومين عن بنود هذا العقد ويتوافقوا على تحقيق هذه البنود في كافة أركان الدولة وشئون الحياة .
وكان هذا الميثاق والعهد الذي إرتضى به أغلبية الأمة الإسلامية هو القرآن الكريم وحدوده و أحكامه ولكن في عصرنا هذا و عصور ما بعد عصر النبوة والخلفاء الراشدين إستبدل هؤلاء ميثاق القرآن الكريم ومعه السنة النبوية الصحيحة بميثاق آخر وهو الشريعة التي هي تفسير للقرآن و بها ما قد أصاب وبها ما أخطأ من التفاسير، بالإضافة لإستحداث مصادر جديدة للفقه والتشريع ما أنزل الله بها من سلطان مثل سد الذرائع و الإستحسان وغيرها ورغم أن الحدود في القرآن قليلة للغاية و كذلك الأحكام فنجد من الفقهاء من إستحدثوا حدود و أحكام ليس لها سند في القرآن والسنة النبوية المشرفة وليس لها حجة يمكن الرجوع إليها .
لا أنكر بعض هذه الأحكام التي ليس لها أصل في الكتاب والسنة كقوانين متغيرة ووضعية تناسب العصور التي وضعت فيها و لكن أن تنسحب على الإسلام وتنسب إليه دون بينة فهذا ما أرفضه وقد يحتج قائليها بإستحداث مصادر ليس لها أصل فهذا عجيب .
 كان أكثر ما تناوله القرآن الكريم هو الحقوق والحريات عكس الحدود التى كانت محدودة فنجد من الآثام مالم يضع له القرآن حد مثل ترك الصلاة وهي كبيرة من الكبائر ومع ذلك لم يوجد لها رب العزة عقاب دنيوي وكذلك نجد الكذب فهو إثم ولكن عقابه أخروي أو متروك لرب العزة و كذلك حجاب المرأة الذي هو فريضة لا محال ولكن أيضا عقاب تركه لله ولكن نجد بعض الفقهاء قد إستحدثوا حدود لتارك الصلاة دون حجة من كتاب أوسنة أو حتى أصل من عصر الخلفاء الراشدين ،وكذلك الزنى نجد عقابه لله أخروي إلا إذا شاهده أربعة أشخاص وهو بمعنى إشاعة الفاحشة !في حين نجد من الفقهاء من إستحدثوا حدود لأمور أقل من ذلك بكثير ووصفها على أنها زنا ،ونتذكر سيدنا عمربن الخطاب حينما رأى حادثة زني بين رجل و إمرأة فأراد أن يخبر الناس فمنعه سيدنا علي كرم الله وجهه إلا أن يأتي بأربعة شهداء أو أن يقام الحد على سيدنا عمر نفسه وهو أمير للمؤمنيين إن لم يأتي بالشهداء أو يسكت عما شاهد .
ومن أخطر ما إستحدثه الفقهاء هي هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتي ما أنزل الله بها من سلطان وهي هيئات لتتبع العورات و إنتهاك الحرمات والتلصص على الناس ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الإسلام لابد أن يتبعه الحكمة والموعظة الحسنة وطيب النفس وتقبل الطرف الآخر للنصيحة وإختيار الزمان والمكان المناسبين لذلك إلا إذا كانت حادثة إكراه من شخص لآخر على فعل حرام فوقتها وجب التدخل باليد .
أردت أن أضيف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولى طفل عمره 12 عاما أمر ولاية قبيلته لأنه كان أعلمهم وهذا الكلام موجه للجهلاء الذين يريدون مجلس شعب من محدودي التعليم و الجهلاء الذين من المفروض أن يقودوا أمة بحجة المساواة ولم يعلم هؤلاء أن حتى المساواة لها شروط وهي تفضيل صاحب العلم والكفاءة للصالح العام والمصلحة مطلوبة شرط آلا تخالف الشرع والدين فإذا ما خالفت المصلحة شرع الله وجب الشرع وسقطت المصلحة لإقامة الحق الذي هو أولى .
وفي النهاية بعض الحكام الذين حكموا الأمة الإسلامية تحت حكم ملكي بعضهم كان في بعض الأمور يحكم بالإسلام و في أمور أخرى كانوا يحكمون بالهوى ونذكر هنا حكم عمر بن عبد العزيز رحمه الله وما شهدته فترة حكمه من رخاء وعدل وكذلك فترة حكم هارون الرشيد وما شهدته من نهضة علمية ولكن هذه الممالك لا ترتقي لفترة حكم الخلافة الراشدة التي هي النموذج الأمثل والوحيد للحكم الإسلامي الراشد .

                                           والسلام على من إتبع االهدى



                                  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق