بسم الله الرحمن الرحيم
(12)
قصة بهنسي:-
يحكى أن كان هذا الفتى الصغير بهنسي والذي نشأ في أحد كفور مصر العديدة
الفقيرة المنتشرة في ربوع مصر و كان والده ووالدته يؤجران عدة قراريط من الأرض ويقوموا
بزراعتها ويحصدان المحصول لبيعه وكان لديهم منزل شديد الفقر مبني من الطين لا يكاد
يوجد به آي أثاث سوى سريران أحدهم في غرفة والديه و الآخر في حجرة أخرى يتشارك فيها
بهنسي مع أخوته الخمس و كان بعضهم يتخذ
فراش على أرض الغرفة حيث كانوا ست أشقاء فتاتين وأربع فتيان .
كانت أسرة بهنسي لديهم معزة و بقرة داخل البيت ليحرثا بها الأرض و كان طعام
أسرة بهنسي اليومي هو الخبز الذي تقوم والدته بصنعه بالإضافة للقليل من الجبن مع
بعض الخضار بإستثناء يوم الخميس من كل أسبوع حيث كانا يأكلون اللحوم أو الدجاج .
كانت حالة أسرة بهنسي غاية في الفقر و بالطبع لم يتعلم أى من أشقاء بهنسي و
إن كان بهنسي قد دخل المدرسة لعامين و لكنه تركها و لم يكمل بها حيث لم يتحمل والده
القدرة على نفقات التعليم كما أن بهنسي لم يكن يهوى الدراسة من الأساس.
كان بهنسي و أشقائه يساعدون والدهم ووالدتهم في فلاحة الأرض و حينما كانا
لا يزرعا كان ينزلان الترعة حتى أنه و أخوته قد إلتقطا البلهاريسيا و أمراض الكبد
من مياه الترعة الملوثة ولكن كل سكان الكفر لديهم نفس الأمراض و سيذهبان للوحدة
الصحية ليأخذوا برشمتين ويكونوا فل الفل ، هكذا قالوا لأنفسهم !.
كبر بهنسي في الكفر وهو يرى عمدة القرية الفاسد و الذي كان يحشد أهالي
الكفرأيام الإنتخابات و يعطي كلا منهم كام جنيه ليذهبوا ليدلوا بأصواتهم للمرشح
الذي تعود أصوله لنفس الكفر و كان هذا يسعد أهالي الكفر كثيرا أن أحد أبناء الكفر
وصل لهذا المنصب الكبير و رغم أنه لم يكن يزورهم و لا يؤدي آي خدمات لكفرهم الفقيرإلا
أن بهنسي كان يسعد كثيرا بهذه الجنيهات القليلة التى تعطى له و لباقي أشقائه و يرى
أن ذلك شطارة و أنه مكسب يستحق أن يأخذه ورغم أن هذا النائب الذي إنتخبوه فاسد و
لص إلا أنهم رغم ذلك كانوا يقولون عنه رجل فهلوي و عرف يلعبها صح ليصل لهذا المنصب
الرفيع الذي يفخرون به .
وصل بهنسي لسن التجنيد و ذهب ليلتحق بالجيش و كان متضايق أنه سيمضي عدة
سنوات في الجيش إلا أنه و بعد الذهاب للتقدم للخدمة تم إختياره ليكون أحد عساكر
الأمن المركزي و علم بهنسي من بعض زملاءه أن عسكري الأمن المركزي هو مرفه و يخضع
للشرطة و يعطى مكافأت ووجبات جيدة بشكل يومي و كان هذا بالنسبة لبهنسي قمة السعادة
حيث سيرتاح طوال اليوم و يحصل على مكافأت ووجبات و هذا بالنسبة لبهنسي قمة الرفاهية
بالنسبة لحياته المدقعة في الكفر الذي يعيش فيه مع أسرته و كل ذلك مقابل فقط أن
ينفذ الأوامر التى يطلبها منه الباشا و علم بهنسي أن الباشا هو ضابط الشرطة ، وفكر
بهنسي أن هذا الأمر جيد للغاية فماذا سيطلب منه الباشا سوى القبض على المجرمين و
ربما ضربهم ، بسيطة هذا ما قاله بهنسي لنفسه .
في أول أجازة نزل فيها بهنسي لأسرته أسرع ليبشر أسرته أنه تم إختياره ليكون
أحد عساكر الأمن المركزي و بالطبع سعدة أسرة بهنسي كثيرا فقد كانوا كلهم أسرة
معدمة لم تتلقى آي تعليم و تعتبر المكسب شطارة بصرف النظر عن مصدره .
ذات يوم و بهنسي يقف في الخدمة نادى عليهم الباشا أن يكونوا في وضع
الإستعداد لأن هناك بعض المشاغبين و المجرمين يجب أن يؤدبوا و أن يستعد كلا منهم
بالشومة التى وزعها عليهم عسكري القسم و قد تعلم بهنسي و زملاؤه الطاعة العمياء
فكل ما يقوله الباشا صحيح وما دام قال إن هؤلاء مجرمون إذن فهو على حق أوليس هو
الحكومة التى تعرف كل شئ !! و فجأة أعطاهم الباشا إشارة الهجوم و بدأوا في الضرب
ثم أمرهم الباشا أن يقوموا بسحب فتاة و فتى من هؤلاء المشاغبين لأحد الزوايا و
بالفعل قام بهنسي وزملاؤه بتنفيذ الأوامر .
ثم أمرهم الباشا أن يخلعا ملابس الفتى و الفتاة ورغم أن بهنسي تفاجأ في
البداية بالطلب إلا أنه يعلم أن عليه أن يطيع الأوامر، أخذا الفتى و الفتاة لأحد
الغرف و بدأ بهنسي يرى في عيون الباشا نظرات غريبة هي مزيج من الإستمتاع و الشراسة
و لكنه لم يجرؤ أبدا أن ينظر في عيون الباشا الذى طلب منهم بعد ذلك تقييد الفتى و
الفتاة ثم أمرهم الباشا أن يكفوا لأنهم سيقوم هو بنفسه بالباقي و هكذا بدأ الباشا
في سلسلة بشعة من التعذيب وهو شديد الإستماع بما يفعل و كان بعض زملاء بهنسي
يضحكون و هم يشاهدوا هذا المشهد و تساءل بهنسي في نفسه لحظات لماذا يستمتع الباشا
بهذه البشاعة و لماذا يضحك زملائه وهم يشاهدون عورات الفتى و الفتاة و يسمعون
صرخاتهم و يرون آلامهم و لكن خاطرات بهنسي لم تستمر سوى للحظات قليلة حيث أكد
لنفسه أن الباشا يصنع الصواب و لماذا لا يشارك زملاؤه الضحكات وبدأ بهنسي يبتسم ويقول
لنفسه إنهم يتعروا في الكفر لنزول الترعة و لا شئ في ذلك و لم يقل لهم أحد شئ على
ذلك فقد تعود بهنسي على رؤية التعرى دون بأس في ذلك ، و حمد الله بهنسي في سره أنه
ليس من هؤلاء المشاغبين كما أنه يتمتع بحماية الباشا ما دام يطيع الأوامر ، وهو
يتذكر زميل له لم يطع الأوامر مرة كيف تم حبسه عدة أيام في غرفة مظلمة و تعذيبه
وجلده .
عاد بهنسي مرة أخرى للكفر و أخذ يقص على أسرته كيف قبضوا على المشاغبين و
كيف تم تعذيبهم و يحكي ذلك بفخر فردت والدته عليه " يستهلوا اللي جرالهم إيه
اللي خرجهم من بيوتهم ليعارضوا الحكومة " ورد والد بهنسي " عفارم عليك
يا بهنسي إنك أدبت العيال المشاغبة دول " هكذا كانت أسرة بهنسي لا تعرف شيئا
عن السياسة و لا عن الدين ولا عن الحلال و الحرام رغم أنهم ربما كانوا أكثر
المتضررين من فساد البلد وما يحدث فيها ولكن القليل كان يشعرهم بالسعادة حتى لو
كان هذا القليل مال حرام ، ذهب والد بهنسي للجامع ليصلي و كان يقرأ فاتحة الكتاب
بالكاد و أخذ يدعو الله أن يوفق إبنه بهنسي في عمله و أن يرضى عنه الباشا !!
وهكذا كان أمثال بهنسي كثر في نجوع و كفور و قرى مصر !!!!!!!!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق